فصل: مقتل جيش بن خمارويه وولاية أخيه هرون.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.عود طرسوس إلى ايالة خمارويه.

قد كنا قدمنا أن مازيار الخادم ثار بطرسوس سنة سبعين ومائتين وحاصره أحمد بن طولون فامتنع عليه فلما ولي خمارويه وفرغ من شواغله أنفذ إلى مازيار سنة سبع وسبعين ومائتين ثلاثين ألف دينار وخمسمائة ثوب وخمسمائة مطرف واصطنعه فرجع إلى طاعته وخطب له بالثغور ثم دخل بالصائفة سنة ثمان وسبعين ومائتين وحاصروا أسكند فأصابه منها حجر منجنيق رثه ورجع إلى طرسوس فمات بها وقام بأمر طرسوس ابن عجيف وكتب إلى خمارويه فأقره على ولايتها ثم عزله واستعمل مكانه محمد ابن عمه موسى بن طولون وكان من خبره أن أباه موسى لما ملك أحمد أخوه مصر تبسط عليه بدلالة القرابة وذوي الأرحام فلم يحتمله له أحمد ورده عليه وكسر جاهه فانحرف موسى وسخط دولته ثم خاطبه في بعض مجالسه بما لا يحتمله السلطان فضربه ونفاه إلى طرسوس وبعث إليه بمال يتزوده فأبى من قبوله وسار إلى العراق ورجع إلى طرسوس فأقام بها إلى أن مات وترك ابنه محمدا وولاه خمارويه وبعث إلى أميرهم راغب فأكرمه خمارويه وأنس به وطالت مقامته عنده وشاع بطرسوس أن خمارويه حبسه فاستعظم الناس ذلك وثاروا بأميرهم محمد بن موسى وسجنوه رهينة في راغب وبلغ الخبر إلى خمارويه فسرحه إلى طرسوس فلما وصلها أطلقوا أميرهم محمد بن موسى وقد سخطهم فسار عنهم إلى بيت المقدس وعاد ابن عجيف إلى ولايته بدعوة خمارويه وغزا سنة ثمانين ومائتين بالصائفة ودخل معه بدر الحمامي فظفروا وغنموا ورجعوا ثم دخل بالصائفة سنة إحدى وثمانين ومائتين من طرسوس طغج بن جف الفرغاني من قبل خمارويه في عساكره طرابزون وفتح مكودية.

.صهر المعتضد مع خمارويه.

ولما ولي المعتضد الخلافة بعث إلى خمارويه خاطبا قطر الندى ابنته وكانت أكمل نساء عصرها في الجمال والآداب وكان متولي خطبتها أمينه الخصي ابن عبد الله ابن الجصاص فزوجه خمارويه بها وبعثها مع ابن الجصاص وبعث معها من الهدايا ما لا يوصف وقدمت سنة تسع وسبعين ومائتين فدخل بها وتمتع بجمالها وآدابها وتمكن سلطانه في مصر والشام والجزيرة إلى أن هلك.

.مقتل خمارويه وولاية ابنه جيش.

كان خمارويه قد سار سنة اثنتين وثمانين ومائتين إلى دمشق فأقام بها أياما وسعى إليه بعض أهل بيته بأن جواريه يتخذون الخصيان يفترشوهن وأراد استعلام ذلك من بعضهن فكتب إلى نائبه بمصر أن يقرر بعضهن فما وصله الكتاب قرر بعض الجواري وضربهن وخاف الخصيان ورجع خمارويه من الشام وبات في مخدعه فأتاه بعضهم وذبحه على فراشه في ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وهرب الذين تولوا ذلك فاجتمع القواد صبيحة ذلك اليوم وأجلسوا ابنه جيش بن خمارويه على كرسي سلطانه وأفيض العطاء فيهم وسيق الخدم الذين تولوا قتل خمارويه فقتل منهم نيف وعشرون.

.مقتل جيش بن خمارويه وولاية أخيه هرون.

ولما ولي جيش كان صبيا غرا فعكف على لذاته وقرب الأحداث والسفلة وتنكر لكبار الدولة وبسط فيهم القول وصرح لهم بالوعيد فأجمعوا على خلعه وكان طغج بن جف مولى أبيه كبار الدولة وكان عاملا لهم على دمشق فانتقض وخلع طاعته وسار آخرون من القواد إلى بغداد منهم إسحاق بن كنداج وخاقان المعلجي وبدر بن جف أبو طغج وقدموا على المعتضد فخلع عليهم وأقام سائر القواد بمصر على انتقاضهم وقتل قائدا منهم ثم وثبوا بجيش فقتلوه ونهبوا داره ونهبوا مصر وحرقوه وبايعوا لأخيه هرون وذلك لتسعة أشهر من ولايته.

.فتنة طرسوس وانتقاضها.

قد تقدم لنا أن راغبا مولى الموفق نزل طرسوس للجهاد فأقام بها ثم غلب عليها بعد ابن عجيف ولما ولي هرون بن خمارويه سنة ثلاث وثمانين ومائتين ترك الدعاء له ودعا لبدر مولى المعتضد وقطع طرسوس والثغور من عمالة بني طولون ثم بعث هرون بن خمارويه إلى المعتضد أن يقاطعه على أعماله بمصر والشام بأربعمائة ألف وخمسين ألف دينار ويسلم قنسرين والعواصم وهي الثغور للمعتضد فأجابه إلى ذلك وسار من آمد وكان قد ملكها من يد محمد بن أحمد بن الشيخ فاستخلف ابنه المكتفي عليها وسار سنة ست وثمانين ومائتين فتسلم قنسرين والثغور من يد أصحاب هرون وجعلها مع الجزيرة في ولاية ابنه المكتفي.